fbpx
طباعة
corona ar
corona

تأثيرات فيروس كورونا المستجد على الأسواق المالية العالمية

بعد الإحصاءات الاخيرة ومع تصاعد وتيرة الإصابات بفيروس كورونا المستجد في العالم وتخطى العدد الثلاثة مليون مصاب، يقبع الإقتصاد العالمي تحت ضغط هائل، نتج عنه فقدان وظائف مما دفع الحكومات للعمل على توفير حزم إقتصادية لمساعدة أصحاب الأعمال، وقد تناول العديد من الخبراء التداعيات الإقتصادية للفيروس لاسيما في ظل غياب أنباء عن إبتكارعقار طبي لمعالجته، كما سلط البعض الآخر على نظريات المؤامرة والشائعات التي تنعكس على إقتصاد الدول، فهم يروجون بنظرية مفادها بأن كورونا ما هو إلا سلاح بيولوجي تخويفي، الخوف من المرض وليس المرض نفسه أي السبب له تداعيات إقتصادية كبيرة!

إنتشر الفيروس في 183 دولة تقريبا، وقد حدد العلماء ما لا يقل عن ثماني سلالات من فيروس كورونا المستجد الآخذ في الإنتشار حول العالم، كما ثبت حجم الاضرار الإقتصادية فهو سلبي وخطير ويعد بخسائر جسيمة تقدر بالتريليونات من الدولارات، ولا أحد يستطيع أن يحصر الأرقام فهي في إنفلات دائم وكلها تخمينات رقمية إن كان من الحكومة الصينية التي كانت بداية للأزمة، اوالإتحاد الأوروبي الذي اصبح التكملة وصولاً إلى أميركا آخر المحطة للفيروس والمؤشر الأساسي للأسهم، إذ هي في حالة يرثى لها تزامنا مع هبوط في الأسهم بشكل هستيري، وكان لمؤشر الداو جونز دورا حيث هبط من مستوى ال30,000 نقطة لغاية ال18,000 ليعود ويستقر عبر حركة تصحيحية نحو مستوى ال24,000، ومؤشر ال SP500الذي هبط بدوره كالصاعقة من ال29.00 ليلامس ال 22.00 خلال شهر مارس/آذار ومن ثم يتوجه صعوداً ويتداول حالياً على سعر ال28.30.

كما شهد بداية هذا العام 2020 وضعاً هشاً للغاية إن كان محلياً اوعالميا،ً ليأتي كورونا ويحصد أرواح الآلاف ويزيد من التأثير على الإقتصاد العالمي عبر التعثر في التبادل التجاري، التقلبات في الأسعار وحرب البترودولار بين السعودية وروسيا

فالولايات المتحدة التي تصدرت الصحف بعد تراجع الصين، تواجه عاصفة اقتصادية وهي في حالة من الركود، اذ تبين التقارير اليومية بان المخاطر الصحية والاقتصادية ستكون اسوا بكثير. فالاجراءات الاحترازية مثل تعليق الدروس، التباعد الاجتماعي والخسائر التي تكبدتها الأسهم، كذلك الانخفاض الكبير في أسعار النفط الذي يضر بإنتاج النفط الصخري، هذا كله سيؤثر بشكل قاس على الصناعات الإنتاجية وهدر للاموال تصل الى 2 تريليون دولار.

ففي ظل هذا الركود التصاعدي، فان الانفاق على الديون وعجز الميزانية يمكن ان يرتفعا الى مستويات لا يمكن تحملها، نذكر هنا بانه عندما تولى أوباما منصبه بلغت الديون عشرة تريليون دولار، وصلت الى عشرين عندما استلم ترامب الرئاسة. اما في الوقت الراهن تبلغ نسبة الدين العام حوالي 23 تريليون دولار لتشكل بذلك 107% نسبة الى الناتج المحلي الإجمالي.

كما زادت طلبات العاطلين عن العمل ووصل الرقم الى 6 مليون و 600 الف طلب وظيفي في شهر اذار المنصرم وخسر 700000 شخص وظائف تعتبر سيادية.

و والحقيقة بان كورونا ازمة اقتصادية كما هي صحية. فاوروبا التي تفعل بالمستحيل للابتعاد عن السياسات التجارية الهجومية هي على أبواب اعلان بطريقة غير مباشرة فك الاتحاد الأوروبي الذي اظهر ضعفه امام هذه الازمة الخطيرة (الإنسانية والاقتصادية)، فقد أغلقت اغلب الدول الأوروبية حدودها، تركت اسبانيا وحيدة تعاني وإيطاليا منكوبة، تعطلت معظم صناعاتها وأقفل 70% من الشركات، وبلغت تكلفة الخسارة خلال هذه الازمة حتى شهر مارس/اذار حوالي 120 مليار دولار.

اما اليورو فبدا يتهاوى بشكل سريع فهو ضعيف كما القارة العجوز، كل ما يحدث يشير الى ان التكتل الأوروبي سيفقد قريبا مبررا لوجوده حيث ان العملة أصبحت في مستوى ال 1.0700 وتتجه شيئا فشيئا الى ال 1.0000يعني واحد يورو يساوي دولارا واحدا او ما يسمى بال PAR، ومن المرجح ان يعود الى قيمته الرسمية السابقة أي 0.9400، ليتلاشى بعد فترة وينتهي، وتنتهي معه الوحدة الأوروبية. بالإضافة الى الهبوط الحاد في أسعار النفط اذ وصل الى مستوى 12$ للبرميل الواحد نتيجة انخفاض الطلب على الخام جراء كورونا وزيادة النتاج بشكل عشوائي من قبل روسيا والسعودية، وقد شهدت أسواق النفط الخام محاولة تصحيح ضعيفة للأسعار ليصل الى 27$، لتعود وتنحني بسرعة نظرا لغياب الطلب بشكل كلي.

وكانت جولدمان ساكس قد حذرت في أوائل شهر مارس/اذار من الوباء وانه سيكون سريع الانتشار وسيبلغ الذروة في شهر ابريل/نيسان وسيؤدي كمرحلة أولى الى انخفاض بمعدل 3% من النمو السنوي، وهبوط حاد لبورصة الأسهم في الولايات المتحدة وهذا ما حصل فعلا. اما عن الصين التي استطاعت الخروج من هذه الجائحة ولو جزئيا، ترى بان اضعاف العلاقة بالاقتصاد الأميركي سيمثل خلاصا من الحروب التجارية. ويتابع التقرير انه سنشهد هبوطا حادا في الانشطة التجارية وبورصات الاسهم في بكين ثم انتعاشا سريعا واحتواء تاثير الهبوط على الاقتصاد العالمي ككل، حيث ان السيناريو المرجح سنرى تغيرا على شكل V في الرسومات البيانية Chart.

اما في وكالة بلومبرغ يتوقع الخبراء ان يكون العام الحالي الاسوا منذ الركود الاقتصادي عام 2009، وان يفقد الناتج العالمي حوالي 3 تريليون دولار في نهاية العام وانخفاض النمو في الولايات المتحدة الى اقل من 2%، الصين 3% واسيا 2%، فان التراجعات الحادة في الطلب المحلي، السياحة، التجارة وروابط الإنتاج فضلا عن تعطيل الامدادات، نتائجها كبيرة جدا تكتنفها ضبابية مرتفعة.

وبحسب اخر دراسة للاونكتاد (مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية) بان تباطؤ الاقتصاد العالمي الى اقل من 2% قد يكلف نحو 2 تريليون دولار (كما ذكرنا سابقا)، وهذا الرقم بدات الإدارة الأميركية بطباعته في البنك الفيدرالي الذي سيكون عبئا وديونا على الشعب الاميركي. هكذا تكون الولايات المتحدة دخلت في دوامة تؤدي الى افلاس واسع النطاق وربما تتسبب "بلحظة مينسكي" وهي انهيار مفاجئ لقيم الأصول (حسب تقرير الاونكتاد).

وهذا فعلا ما اوضحه انهيار اسهم كل الشركات الصناعية، التجارية، التكنولوجية، الطاقة وشركات الطيران التي سجلت خسائر بقيمة 180$ مليار وفقدان 25 مليون وظيفة في جميع انحاء العالم. كل هذه الخلفيات التي تسبب بها كورونا تشكل عامل مساهم للشعور بعدم الراحة، فهذه التقلبات الجنونية تشير الى عالم شديد القلق من الصعب التنبؤ بحركة اسواقه وحتى إمكانية تحديد خط القاع لها.

فمن المتوقع، من ناحية فيروس كورونا نلاحظ تراجع تاثيره الصحي في أوائل فصل الصيف على امل ان لا يعود عند أبواب فصل الخريف كما يحكى، اما عن إعادة توازن القوى بين الشرق والغرب المتمثل بصراع اقتصادي واضح، فهناك من يقول بان قوى عظمى تنبثق اقتصاديا، عسكريا، تجاريا، وهذه القوى تريد إعادة تشكيل الأسواق العالمية بهيكلية جديدة بما يخدم مصالحها.

في الختام، وبالرغم من الاضرار الصحية والمالية التي تسبب بها فيروس كورونا، لابد ان نذكر القول الشهير "رب ضارة نافعة". فقد خلفت هذه الجائحة حسنات حيث ان الشوارع أصبحت هادئة، اختفت الزحمة، انخفاض في التلوث بنسبة 50%، وتكاتف عائلي مثالي. جرعة من الامل كانت كفيلة بحتمية الصمود والتزام المنازل في المجتمعات الشرقية الغربية لتخطي جائحة كورونا.