أسواق الذهب
يبدو أن كافة العوامل إجتمعت لتدعم أسعار المعادن الثمينة وتقفز بها إلى مستويات تاريخية. فإذا كان الطلب يزداد على الذهب كملاذ آمن في أوقات الأزمات، فوباء كورونا هو المثال الحي لأكبر المخاوف في العالم. أما إذا تحدثنا عن المخاوف الجيوسياسية فقد إحتدم التوتر بين أكبر إقتصادين في العالم: الولايات المتحدة والصين، ليتخطى النزاع التجاري ويصل إلى توتر ديبلوماسي.
لا تقف العوامل وراء إرتفاع المعادن الثمينة إلى هذا الحد، فنجد مثلاً الإقبال على شراء الذهب كأداة للتحوط من التضخم. عدا عن مخاوف من تدهور القوة الشرائية بعد توجه الحكومات والبنوك المركزية لضخ حزم التنفيذ المالية لينجم عنها إرتفاعاً للأسعار مستقبلاً. كما أن تسليط وسائل الإعلام الضوء على المعادن الثمينة، ساهم في التشجيع على طلبات الشراء وزيادة الرهانات مع إستمرار إرتفاع الأسعار.
ومن ناحية أخرى تعتبر تجارية إيجابية، اذ يصر المستثمرين والمضاربين في أسواق الذهب على إن عدم الوضوح بالمشهد الإقتصادي العالمي يجعل الرهان على الذهب مصدر قوة وأمان على المدى الطويل.
فقد ازداد الإهتمام بالذهب بعد الإستثمارات الضخمة من الملياردير العالمي وارن بافيت. إذ تم الإعلان عن شركة BERKSHIRE HATHAWAY التي يملكها وارن بافيت التي إستحوذت على 21 مليون سهم من شركة BARRICK GOLD CORPبقيمة سوقية تبلغ 565 مليون دولار.
هذا المعدن الانيق, لا يعلم أحد حتى الآن متى تم إكتشافه ولكن من المعروف أنه ذات أهمية كبيرة منذ قيام الحضارات حيث تم تقدير قيمته. يرجح بعض العلماء بأن الذهب الموجود على كوكبنا أتى من الفضاء عبر نيزك ضرب الأرض من حوالي 200 مليون سنة وأحضر معه جميع المعادن الثمينة وحسب إعتقادهم, أن الأرض ما زالت تختزن في باطنها 80% من الذهب. وعليه إستخدم البشر الذهب كعملة عالمية منذ القدم حتى يومنا هذا، حيث وافقت جميع الدول تسديد الديون والمدفوعات بالذهب كقاعدة، ومن الممكن الحصول على كميات من الذهب مقابل عملات ورقية من أية دولة أو مصرف مركزي.
في العام 1914 تخلت المملكة المتحدة عن قاعدة الذهب لأول مرة في تاريخها, ما أدى إلى تراجع قيمة الباوند الإسترليني ليدل على قوة المعدن الأصفر واهميته في التوازن الإقتصادي، الأمر الذي أجبر المملكة على إعادة إستخدام الذهب خلال عام 1925 لتعود وتتخلى عنه في العام 1931. أما الولايات المتحدة فهي تخلت بدورها عن القاعدة الذهبية في عام 1933.
وفي اواخر ثلاثينيات القرن العشرين, لم تبقى دولة تتعامل بغطاء الذهب سواء من ناحية تقوية العملة أو تغطية الديون، لكن تم إستخدامه بشكل كبير في قياس القيمة الحقيقية للعملة. فعندما تنخفض قيمة العملة في بلد ما بسبب ضعف الإقتصاد تُجبر الحكومات المعنية بطباعة مزيد من المال فيؤدي ذلك إلى إنخفاض العملة المحلية، عندها تبدأ الناس بشراء الذهب كوسيلة للحماية من مخاطر التضخم وإنقاذ رأس المال, فترتفع أسعار الذهب نظراً لزيادة الطلب. اذ ان العملات الورقية لا قيمة حقيقية لها بينما الذهب ذو قيمة مستقرة وثابتة خصوصاً في ظل عدم الإستقرار السياسي والإقتصادي والمعروف بأنه يتم تسعير الذهب كسلعة أساسية في البورصات العالمية منذ ما يقارب ال 100 عام. فهو بعيد كل البعد عن قيمة العملة المحلية ولا يتأثر بشكل كامل ومباشر، إذ يُعتبر معدن آمن له إستقلاليته وقابل للبيع في أي وقت من قبل حامله.
بناء" على ما ورد, للذهب دور كبير في إقتصاد العالم فيكون إما سبباً في تدهور الإقتصاد أو تحسينه. فبعض المستثمرين/الأفراد عندما يبيعون الدولار نتيجة إنخفاضه، يشترون بالمقابل عقود آجلة من الذهب آملين من الأخير الحفاظ على أصولهم المالية. أما بالنسبة للآثار التي تنتج عن الديون الهائلة في بعض الدول جراء عجز وفشل الحكومات فيصبح الذهب الملاذ الأخير لهم، من ثم تعتمد عمليات بيع إحتياطي الذهب من أجل الحصول على النقد الكافي لزيادة المعروض في الأسواق وإنخفاض في الأسعار.
يذكر أنه في العام الماضي كانت للمعادن أثراً كبيراً على الأسواق المالية والبورصات العالمية وخاصة الذهب الذي بلغ الطلب عليه 990 طناً في الربع الثاني من العام ومن ثم إنخفض بنسبة 0.07 وهذا الإنخفاض في معدل الطلب يعتبر جزئياً، كما يعكس هذا التراجع الصعوبات التي يمر بها مناخ الإقتصاد العالمي، ليعود ويرتفع في الربع الأول من العام الحالي لمستوى 1765.0 دولار للأونصة ليهبط ثانية إلى سعر 1670.0 في شهر حزيران /يونيو.
كما نعلم, أن الهند والصين هما أكبر دولتين تتعاملان مع الذهب من ناحية الإنتاج والإستهلاك على حد سواء. اذ منذ أسبوعين سجلت أسعار الذهب أرقاماً قياسية عند مستوى 2074.0. ونشهد الآن ما يسمى في لغة التداول ترييح في الأرقام أو حركة تصحيحية لمؤشر فيبوناتشي نزولاً حتى مستوى 1930.0 – 1880.0. ومن المتوقع أن يعاود سعر المعدن الثمين في الإرتفاع نظراً لإستمرار زيادة الطلب المستمر بشكل فائض ليصل إلى مستوى ال 2100.0وما فوق للأونصة الواحدة.
وكما الذهب كذلك الأمر بالنسبة لأونصات الفضة التي كانت مؤشرات الشراء للمعدن الأبيض واضحة عند سعر 17.75$ للأونصة بناءاً على نظام ال PARABOLIC في الرسومات البيانية (CHART)ليصل سعرها إلى مستوى ال 29.80كحد أقصى، وهي الأعلى على الإطلاق في إحصاءات تعود لعام 1982 – مدعومة بالطلب الإستثماري والصناعي، لتعود وتهبط إلى مستوى 23.40 بحركة فيبوناتشي. وتشير تقارير CITI BANK أن أسعار أسواق الفضة ستسجل أرقاماً عالية نحو 30.00$ وما فوق عند نهاية هذا العام.
وجاءت هذه المكاسب في الأسعار بعد ان حقق العديد من المتداولين في البورصة أرباحاً كثيرة، تزامناً مع هبوط الدولار الأميركي تحت ضغط حملة من البيانات الأميركية المتتالية والضعيفة, وإجتياح كاسح لفيروس كورونا وعدم القدرة على السيطرة عليه.
أما باقي المعادن كالبلاتينوم إرتفع سعره إلى1035 ، البلاديوم نحو - 2419.10 والنحاس2993.
أخيراً، الذهب كان وسيظل وسيلة للإدخار ومصدر مهم للسيولة والتحوط، اذ يُعتبر مؤشر أساسي تحدد أسعاره مسار الإقتصاد العالمي كله.